سورة الطلاق - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطلاق)


        


{أسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِن وُجْدِكم} يعني سكن الزوجة مستحق على زوجها مدة نكاحها وفي عدة طلاقها بائناً كان أو رجعياً.
وفي قوله: {من وجدكم} أربعة أوجه:
أحدهما: من قوتكم، قاله الأعمش.
الثاني: من سعيكم، قاله الأخفش.
الثالث: من طاقتكم، قاله قطرب.
الرابع: مما تجدون، قاله الفراء، ومعانيها متقاربة.

{ولا تُضارُّوهُنّ لِتُضَيِّقُوا عليهنّ} فيه قولان:
أحدهما: في المساكن، قاله مجاهد.
الثاني: لتضيقوا عليهن في النفقة، قاله مقاتل. مقاتل، فعلى قول مجاهد أنه التضييق في المسكن فهو عام في حال الزوجية وفي كل عدة، لأن السكنى للمعتدة واجبة في كل عدة في طلاق يملك فيه الرجعة أو لا يملك.
وفي وجوبه في عدة الوفاة قولان؛
وعلى قول مقاتل أنه التضييق في النفقة فهو خاص في الزوجة وفي المعتدة من طلاق رجعي.
وفي استحقاقها للمطلقة البائن قولان:
أحدهما: لا نفقة للبائن في العدة، وهو مذهب مالك والشافعي رحمهما اللَّه. الثاني: لها النفقة، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه اللَّه.
{وإن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فأنفِقوا عليهنّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وهذا في نفقة المطلقة الحامل لأنها واجبة لها مدة حملها في قول الجميع سواء كان طلاقاً بائناً أم رجعياً، وإنما اختلفوا في وجوب النفقة لها هل استحقته بنفسها إن كانت بائناً أو بحملها على قولين.
{فإن أَرْضَعْنَ لكم فآتوهُن أُجورَهُنّ} وهذا في المطلقة إذا أرضعت فلها على المطلق أجرة رضيعها لأن نفقته ورضاعه واجب على أبيه دونها، ولا أجرة لها إن كانت على نكاحه.
{وائْتَمِروا بَيْنكم بمعْروف} فيه وجهان:
أحدهما: قاله السدي.
الثاني: تراضوا يعني أبوي الولد يتراضيان بينهما إذا وقعت الفرقة بينهما بمعروف في أجرتها على الأب ورضاعها للولد.
{وإن تعاسرتم} فيه وجهان:
أحدهما: تضايقتم وتشاكستم، قاله ابن قتيبة.
الثاني: اختلفتم.
{فسترضعُ له أخرى} واختلافهما نوعان:
أحدهما: في الرضاع.
الثاني: في الأجر.
فإن اختلفا في الرضاع فإن دعت إلى إرضاعه فامتنع الأب مكِّنت منه جبراً، وإن دعاها الأب إلى إرضاعه فامتنعت، فإن كان يقبل ثدي غيرها لم تجبر على إرضاعه ويسترضع له غيرها، وإن كان لا يقبل ثدي غيرها أجبرت على إراضاعه بأجر مثلها. وإن اختلفا في الأجر فإن دعت إلى أجر مثلها وامتنع الأب إلا تبرعاً فالأم أَوْلى بأجر المثل إذا لم يجد الأب متبرعاً.
وإن دعا الأب إلى أجر المثل وامتنعت الأم شططاً فالأب أولى به، فإذا أعسر الأب بأجرتها أخذت جبراً برضاع ولدها.
{لا يُكلِّفُ اللَّه نفساً إلا ما آتاها} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يكلف اللَّه الأب نفقة المرضع إلا بحسب المكنة، قاله ابن جبير.
الثاني: لا يكلفه اللَّه أن يتصدق ويزكي وليس عنده مال مصدق ولا مزكى، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه لا يكلفه فريضة إلا بحسب ما أعطاه اللَّه من قدرته، وهذا معنى قول مقاتل.
{سيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسراً} يحتمل وجهين:
أحدهما: يعني بعد ضيق سعة.
الثاني: بعد عجز قدرة.


{قد أنزلَ اللَّهُ إليكم ذِكْراً* رَسولاً} الذكر القرآن، وفي الرسول قولان:
أحدهما: جبريل، فيكونان جميعاً، منزلين، قاله الكلبي.
الثاني: أنه محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون تقدير الكلام: قد أنزل اللَّه إليكم ذكراً وبعث إليكم رسولاً.
{يتلوا عليكم آيات اللَّه} يعني القرآن، قال الفراء: نزلت في مؤمني أهل الكتاب.
{مُبَيِّناتٍ ليُخْرِجَ الذين آمَنوا وَعمِلوا الصالِحَاتِ مِن الظُّلُماتِ إلى النُّورِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: من ظلمة الجهل إلى نور العلم.
الثاني: من ظلمة المنسوخ إلى ضياء الناسخ.
الثالث: من ظلمة الباطل إلى ضياء الحق.


{اللَّهُ الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمواتٍ} لا اختلاف بينهم في السموات السبع أنها سماء فوق سماء.
ثم قال {ومِنَ الأرْضِ مثْلَهنّ} يعني سبعاً، واختلف فيهن على قولين:
أحدهما: وهو قول الجمهور أنها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض، وجعل في كل أرض من خلقه من شاء، غير أنهم تقلّهم أرض وتظلهم أخرى، وليس تظل السماء إلا أهل الأرض العليا التي عليها عالمنا هذا، فعلى هذا تختص دعوة الإسلام بأهل الأرض العليا ولا تلزم من غيرها من الأرضين وإن كان فيها من يعقل من خلق مميز.
وفي مشاهدتهم السماء واستمداد الضوء منها قولان:
أحدهما: أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضياء منها وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة.
والقول الثاني: أنهم لا يشاهدون السماء وإن اللَّه خلق لهم ضياء يستمدونه، وهذا قول من جعل الأرض كالكرة.
القول الثاني: حكاه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض، تفرق بينهن البحار وتظل جميعن السماء، فعلى هذا إن لم يكن لأحد من أهل هذه الأرض وصول للأخرى اختصت دعوة الإسلام بأهل هذه الأرض، وإن كان لقوم منهم وصول إلى أرض أخرى احتمل أن تلزمهم دعوة الإسلام عند إمكان الوصول إليهم لأن فصل البحار إذا أمكن سلوكها لا يمنع من لزوم ما عم حكمه، واحتمل ألا تلزمهم دعوة الإسلام لأنها لو لزمت لكان النص بها وارداً ولكان الرسول بها مأموراً، واللَّه أعلم بصحة ما استأثر بعلمه وصواب ما اشبته على خلقه.
ثم قال تعالى {يتنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ} فيه وجهان:
أحدهما: الوحي، قاله مقاتل، فعلى هذا يكون قوله {بينهن} أشارة إلى ما بين هذه الأرض العليا التي هي أدناها وبين السماء السابعة التي هى أعلاها.
الوجه الثاني: أن المراد بالأمر قضاء اللَّه وقدره، وهو قول الأكثرين، فعلى هذا يكون المراد بقوله {بينهن} الإشارة إلى ما بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها.
ثم قال {لِيْعَلموا أنَّ اللَّهَ على كل شئ قديرٌ} لأن من قدر على هذا الملك العظيم فهو على ما بينهما من خلقه أقدر، ومن العفو والانتقام أمكنْ، وإن استوى كل ذلك في مقدوره ومكنته.
{وأنَّ اللَّه قد أحاط بكل شئ عِلْماً} أوجب التسليم بما تفرد به من العلم كما أوجب التسليم بما تفرد به من القدرة، ونحن نستغفر اللَّه من خوض فيما اشتبه وفيما التبس وهو حسب من استعانه ولجأ إليه.

1 | 2